لا شريك لك الآن...كلهم ذهبوا أو صاروا مخبرين يختبئون وراء المكتب والظلال...
وعليك أن تحمي ظهرك بقرار أو بقرص شمس وتنتبه لزائر الليل يسرق من ذاكرتك حلم الأجيال...
من علمك أن تراوغ الموت كل هذه السنين، السجان لا يحبك، ولائحة الاتهام لا تحبك، وليس لك سوى الفقراء والمسجونين والمسحوقين والمهمشين والصائمين لله تعالى وليس للسلطان.
وعليك أن تقلل من الأسئلة...
لا تسل عن الشفافية والعدالة واستثناء المستوى السياسي من الحساب... عليك أن تعلق روح غزة في قلبك وتهز بحرها كي تنام في سلام...
من علمك أن تستوعب صمت الزنازين وصوت الموجوعين مؤمناً أن الأرض حافلة بالشجر...
من علمك العيش بودٍ مع العتمة وصفافير النواميس الخبيثة وقلة النوم وحكة اليدين وكتابة الرسائل إلى هؤلاء الساكنين في حقائب السفر...
من علمك أن تسمع أصوات المؤبدات في دماء الأسرى... تصغي الى نبضهم يبحثون عن مكان لأسمائهم الرمادية، وراية تشير أنها تعرفهم قبل هذا الوقت.
تتذكر أنك مررت من هنا، لم تمنعك الاتفاقيات أن تعود مرة أخرى... ربما عليك الآن أن تغلق باب العذاب الأخير وتقذف ما في روحك من عواصف وسيول...
من علمك أن تعاكس هذا الرحيل، تنام كل المدن في حديقة جسمك آمنةً، وينام ايقاع البحر في كلماتك والصهيل...
يتعجب الناس... في الحصار والأزمات شاهدوا من رحل إلى بلادٍ أخرى، لهم قصورٌ هناك خلف الحدود، ولهم نساء وأصدقاء وهواء إلا أنت، ترحل بيدين مغلولتين بالحديد إلى السجن، لم تحمل سوى صوتك ودمك، وعندما جف دمك لم تجد كأس ماء.
قالوا: أنهم لمعوك بخمس مؤبدات وأربعة قيود ترسف في قدميك ويديك وقميص بني ذو رائحة إسرائيلية عتيقة، غسلوا زنزانتك بالقيء، فرشوها ببول الفئران والعفونة وأصوات الصراصير الصديقة...
ما أجملك ايها اللامع نداً، المستيقظ بين الحديد، لم يفهموا أن من حق مروان البرغوثي أن يجد فلسطين في أي مكان في فلسطين، ويكتشف ذهب الشهداء في جماجم اجدادنا وحصى جبالنا وملح زيتنا ووجع أسرانا ويأخذ ما يريد...
لا زال السجان وغير السجان يراقبك... بطيئةٌ الخمس مؤبدات حتى تقصف عمرك... ولا يحبك سوى الناس، لأنك تقاتل كي لا يرتفع سعر الخبز أكثر... ولا يحتكر السوق بضع أشخاص صاروا وكلاء الاقتصاد والسياسة والوطن والنساء...
وبحبك الناس لأنك ضد انفصام اللغة عن الواقع... حاولت أن تصنع شراكة ووحدةً من البشر والحجر وعلاقة بين الأرض والسماء.
من علمك هذا الحب، كالموت وعدٌ لا يزول ولا يحاور الأحياء... تجلس على ركبتك كل الأرض المحتلة، غزالة تركض في براريك تبحث عن غدير...
تقول: خذني معك، لا تتركني لنوايا السيد اتجاه العبد في دولة مؤقتة بلا مصير...
الخريف قادم، من يبشر الأسرى بزفاف في الريح وعناق حميم مع القدس والحرية و الشتاء.
من علمك هذا الحب في ملتقى الثلاثين سجناً وخمسمائة حاجز عسكري قلت: ان كان لا بد من موت فليكن عالياً، وان كان لا بد من قمرٍ فليطلع من جسدي الآن...
من علمك أن تصير فكرة وليس مشروع سراب... قلت: أرى بلدي كلها على حبة قمحٍ منقوشة بإبرة امرأة فلسطينية توعدني أن أكون أول من يطل على الفجر غداً..
المصدر : نادي الأسير الفلسطينيالحرية كل الحرية لأبو القسام ولكل أسرى الحرية