[img]
[/img]
عام 1948 كنا هناك، كنا حيث موعد الاقتلاع والتهجير من مدننا وقرانا، منذ ذلك العام تحولنا من مواطنين نملك إلى لاجئين مشتتين في دول العالم لا نملك سوى بطاقة التموين، وفي المقابل صهاينة محتلون غاصبون استجلبوا من شتى أصقاع الأرض، ينعمون بخيرات قرانا ومدننا، بينما أمست الخيمة مأوى لنا ومرقدا لأطفالنا ونسائنا، وأصبحنا لاجئين فقراء نبحث عن لقمة العيش للتغلب على مصاعب الحياة التي تواجهنا كشبح كاسر .
في ذلك العام رحل جدي ووالدي عن قريتنا هربيا، قرية آبائي وأجدادي، وحملت معهم الجرح، دون أن ألمس تراب قريتي وقرية أجدادي، دون أن أشتم ثراها المجبول برائحة الليمون والزيتون، لكني متشبث بهذه الأرض كأشجار الزيتون والليمون رغم كل محاولات الاقتلاع وطمس الهوية، وما زلت أردد وملايين اللاجئين المشتتون معي "باقون هنا على صدوركم باقون كالجدار كالجبال كـ.... ككل ما تتصورنه بااااااااقون ".
حملت الراية التي تسلمها والدي من جدي والذي بدوره سلمها لي "راية العودة لتلك القرية المغتصبة"، هامساً في أذني "حافظ على هويتك واغرس في أبنائك حب الوطن، الذي أراد له الأعداء أن يموت، أمانة الوطن في عنقك، وحب الأرض حافظ عليها حية وطاهرة لأنها جبلت بالدماء التي روت ثراها، كن فلسطينياً حافظ على هويتك رغم الألم رغم المعاناة رغم المؤامرات..." كلماتٌ ما زال صداها يتردد في أرجاء ذلك المكان، ولكي تكون هذه الذكرى عالقة في أدمغة الأجيال من بعدنا، ووفاء منا لحقنا المشروع في العودة من مختلف أماكن تواجدنا إلى 531 قرية داخل فلسطين المحتلة عام 1948
في هذه الذكرى أتساءل ويتساءل معي كل لاجئ فلسطيني يقبع في مخيمات التشتت والحرمان، عن الشرعية الدولية الغائبة، التي كفلت لكل إنسان أن يعود إلى وطنه؟!، ولأن حق العودة وحق الملكية في الأرض والديار حق أبدي، فردي، وجماعي، لا ينزعه احتلال أو سيادة دولة، أو معاهدة، أو اتفاق، ولا يحق لأحد التنازل عنه بالنيابة، أين الشرعية الدولية؟ أين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194
فأقول لزملائي وأصدقائي الذي يحملون معي لقب اللجوء ووسام بطاقة التموين لا تتساءلوا عن الشرعية الدولية التي أصبحت جارية يتحكم بمصيرها من يملك القوة في هذا العالم، ولنشيع معاً قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية إلى مثواها الأخير، لكن... دون أن تترحموا عليها العنوها...؟! نعم العنوها حيث حلت أو رحلت لأنها لم تكفل لكل المعذبين في هذه الأرض حقوقهم الضائعة المسلوبة، فسادة العالم الذين يملكون القوة والمال منذ زمن بعيد دقوا المسمار الأخير في نعش الشرعية الدولية، وأطلقوا العنان لمؤامراتهم السياسية لطمس هويتنا...، لكني أعود وأقول " باقون .. بااااااااقون على صدوركم كالجدار كالجبال... باقوووووون " اغضبوا... اقتلوا ... عربدوا.... سأبقى فلسطيني لاجئ في مخيم مؤقت أنتظر اللحظة التي أعود بها إلى تلك القرية الجميلة ...